الجزء الأول.. قصة مأخوذة من احداث حقيقية
البداية كانت من عند شغلي، انا بشتغل في النقاشة من وقت ما خلصت تعليمي، مافيش حد شاف الفن اللي بيطلع من تحت ايدي، غير ومدح واتبهر باللي بعمله، والحمد لله.. ده كفاية عشان شغلي يتوسع في كل حتة، بالمناسبة انا اسكندراني واسمي “حسن”.. من كام سنة جتلي شغلانة في القاهرة، عرفت من صاحبي اللي جبهالي، إن مطلوب تشطيب شقة كبيرة في منطقة من المناطق الجديدة، هيكون معايا كام عامل يساعدوني في الشغل، بيشتغلوا مع مهندس ديكور اسمه”شريف”.. ماتأخرتش في الرد بالموافقة، بعد ما أكد عليا إن المصنعية اللي هطلبها هخدها، وفي مكان لإقامتي فترة وجودي بالقاهرة، واهو زي ما بيتقال “الرزق يحب الخفية”.. بعد ما وصلت للمكان اللي في الشغل، اتعرفت على العمال والمهندس والدنيا مشيت تمام.. بعد ما ارتحت من الطريق ساعتين زمن بدأنا شغل في الشقة، والحمد لله الامور كانت كويسة والتفاهم اللي بين العمال وبيني، خلت ايام الشغل تبقى خفيفة وتعبه ما نحسش بيه.. لحد قبل تسليم الشقة بأيام تتعد ع صوابع الأيد، اليوم ده اتأخرنا شوية في الشغل لقُرب نص الليل، يومها سهر معانا المهندس ومارضيش يمشي، حاولنا معاه كتير إنه يرجع بيته، بس رفض.. ساعتها واحد من العمال وقف الشغل وقال..
ـ بقولكم ايه يا رجالة.. مدام كده كده سهرتنا هطول، والباشمهندس معانا ومنورنا، ما تيجوا نرتاح نص ساعة ونعملنا دور شاي في الخمسينة، نفوق كده عشان نظبط الأداء.
رحب المهندس بفكرة العامل، شاور لباقي العمال يتجمعوا ويقعدوا، وهم صراحة ما صدقوا، فرصة كويسة يرتاحوا شوية من تعب اليوم، راح واحد منهم جاب وابور كنا بنعمل عليه الشاي، كل واحد مننا سحب شاله واتلف بيه من البرد، ما هو الوقت ده كنا في عز شهر طوبة، والمناطق الجديدة في الشتا جوها تلج، بس القعدة مع الكلام وكوباية الشاي، خلوا الواحد حرارة جسمه عليت ودفي، مانتبتهش لصوت الهوا اللي عمال يخبط في ازاز الشبابيك، ولا صوت المطر اللي كان محتاجة مقطع لأغنية فيروز، وقتها افتكرت جو اسكندرية تحت المطر، مافيش اجمل من كده.. فقاطعت ضحك العمال مع المهندس، بصيتله بعد ما شربت من كوباية الشاي، قولتله..
ـ صراحة يا هندسة، الشتا هنا في القاهرة صعب.. بعكس اسكندرية خالص، مع ان الجو بيبقى برد جدا، بس تتمنى تمشي على البحر وقت المطر، ماجربتش تعملها مرة وتيجي فسحة كام يوم في اسكندرية؟.. تغير جو مع عيلتك.
لف العمال وشهم ناحية المهندس، استنوا رده زيي واكتر، مسك كوباية الشاي بتاعته وشرب منها، ابتسم وهو بيهز راسه..
ـ جربت يا حسن، كانت تجربة هباب بعيد عنك، تصدق من وقتها ماروحتش اسكندرية، ولا حتى بفكر اروح.
رده صدمني واستغربت من كلامه، الراجل على قد ما كان بيبتسم وهو بيرد عليا، بس كان بيتكلم بثقة وكأن اسكندرية لو فكر يروحها، هتبقى رحلة مالهاش رجعة، وده خلاني سألته..
ـ للدرجة دي!.. انا مش همدح وعد مميزاتها، لاتقول عشان اسكندراني بحليها في عينك.
قاطعني في الكلام..
ـ الحكاية مش في جمال البلد ولا جوها، ما الكل عارف قد ايه هي حلوة، بس قفلتي منها ليها اصل واساس، لما تعرفه هتعذرني.
فضول العمال ومن قبلهم انا، خلت روسنا اتخشبت ناحية المهندس، حط واحد من العمال دور شاي جديد، ومن قبل ما اسأله سبب كلامه هو كمل..
ـ من كام سنة فاتوا، جه الصيف حر نار، لدرجة إن الناس حست إن بوابة من بوابات جهنم اتفتحت علينا، وقتها اللي ليه واللي مالهش في جو المصايف، ظبطله قرشين وسافروا للمدن الساحلية، اسكندرية وغيرها من البلاد التانية، انا كُنت من الضمن.. ده بعد زن مراتي وولادي انهم عاوزين يتفسحوا كام يوم في الإجازة، اتكلمت مع مراتي ونويت فعلا اننا نطلع مصيف، تاني يوم بعد كلامي معاها جيت المكتب كالعادة، بالصدفة كان موجود واحد من اصحابي الاسكندرانية، بعد ما خلص الشغل اللي كان مطلوب منه في المكتب، جه قعد معايا، بعد ما سلمنا واطمنا ع الحال والاحوال، قولتله..
ـ والله انت ابن حلال، لسه امبارح كُنت انا ومراتي جايبين سيرة اسكندرية.
ـ خير ان شاء الله.
ابتسمت وانا برد عليه..
ـ خير والله، خيرتها بين اكتر من بلد نصيف فيها كام يوم مع الولاد، ف اختارت اسكندرية.
ضحك وقال..
ـ والله ست بتفهم، ياابني هو في احلى منها مصيف، اتوكل على الله وجهز شنطك، ومكان اقامتكم عليا ماتعولش همه.
اتبسط جدا من التسهيلات اللي جتلي في لحظة، بس حبيت افهم يقصد ايه، سألته..
ـ مش فاهم، هتجبلي شقة يعني؟
ـ يا عم شريف عيب عليك، هجبلك شقة وشقة صاحبك موجودة!.. حدد انت اليوم وحط شنطك في عربيتك، اول ما توصل اسكندرية اتصل عليا، هجيلك المكان اللي انت فيه واجبلك معايا مفاتيح الشقة، وهي قريبة من البحر.. اقعد فيها براحتك طول فترة اجازتكم، يارب تقعدوا فيها شهر او حتى شهرين.
ضحكت وانا بقوله..
ـ حيلك حيلك، شهر وشهرين ايه بس، كلهم 15 يوم.. ده لو قدرت اكملهم وماحدش كلمني من المكتب عشان ارجع، مش عارف والله اشكرك ازاي يا سيد.
بص في ساعته، رد عليا وهو بيقوم من جنبي..
ـ بلاش شكرا والجو ده، مافيش بين الاصحاب شكر.. هسيبك انا دلوقتي عشان اتأخرت، على اتفاقنا.. بمجرد ما عربيتك تدخل اسكندرية اتصل عليا، هتلاقيني قصادك.
مشي صاحبي من المكتب، بعد خروجه.. خدت تليفوني من على مكتبي واتصلت على مراتي، حكيتلها الحوار اللي دار بيني وبينه، فرحت جدا وطلبت مني اخد اجازتي من الشغل، وفعلا ده اللي حصل، قدمت طلب اجازة 15 يوم، وبعد جدال مع مديري في الشغل بسبب طول الفترة وافق عليها، كانت بدايتها اخر الأسبوع، بدأت مراتي في تجهيزات حاجات المصيف والسفر، قبل السفر بيوم وهي بتقفل الشنطة بصتلي وقالت..
ـ مش هتتصل بصاحبك عشان تقوله اننا جايين بكرة؟
لما البني أدم مننا يحسم امره بدون ترتيب وتنظيم، يستاهل اللي يجراله.. وده طبعا اللي عملته******، رديت على مراتي بأجابة تلقائية، وكأنها إجابة بديهية مسلم بيها..
ـ واتصل ليه؟.. هو قالي اكلمه اول ما اوصل اسكندرية، وهيجيلي على طول، الموضوع مش مستاهل اتصال.
مراتي ماردتش على كلامي، بس كان واضح على وشها إنها مش مقتنعة، فرجعت تكمل اللي كانت بتعمله، قفلت الحوار في الموضوع، على اساس اني صاحب القرار والمتصرف في.. خلصنا كل حاجة ونمنا، بعد الفجر قامت مراتي جهزت فطار سريع عشان نفطر قبل ما نسافر، صحت الولاد وجهزتهم.. في خلال نص ساعة خلصنا، نزلت الشنط وحاجتنا العربية، ومن بعدها قفلت مراتي الشقة ونزلت هي والولاد، شغلت العربية وخدت اتجاه طريق اسكندرية الصحراوي، ماعداش وقت كتير وكنت داخل اسكندرية، الجو كان معقول ونسمته خفيفه، لدرجة اني كنت شامم مع نسمة الهوا ريحة يود البحر، اتفائلت بالفسحة والايام الجاية اللي هقضيها مع عيلتي، ركنت العربية على جنب بعيد عن الشمس، مديت ايدي فتحت تابلوه العربية وخدت منه التليفون، دورت على نمرة صاحبي في جهات الاتصال، وصلتله ودوست اتصال.. اول مرة ماردش عليا، اتصلت تاني.. نفس الكلام اتكرر، جرس طويل ومافيش رد، لمحت بطرف عيني مراتي بتبص ناحيتي بتركيز، كان باين على وشها القلق، واضح انها كانت عاوزة تقول “ما انا قولتلك كلمه من امبارح”.. بس التوتر اللي كنا في، ماكنش متحمل جملة زي دي تتقال في الوقت ده، خدت نفس واتصلت عليه للمرة التالتة، قبل ما الرنة تخلص رد عليا، اتكلمت بلهفة..
ـ فينك يا سيد؟.. بتصل عليك من بدري!
رد عليا بكلام مش وقته خالص..
ـ خير يا شريف؟.. حصل حاجة في الشغل؟
عقدت حواجبي بغيظ من رده، مع ان الغلطة غلطتي..
ـ شغل ايه بس؟.. انا في اسكندرية واتصلت بيك عشان مفتاح الشقة، زي ما اتفقت معايا لما كنا في المكتب.
سكت لثواني وبعدها قال..
ـ اه اه افتكرت.
ـ لا طبعا ده كلام!.. بس ما كلمتنيش ليه قبلها بيوم ولا يومين؟.. انا في شغل بره اسكندرية بقالي 3 ايام، والمفتاح معايا مش سايبة في البيت.
بمجرد ما خلص جملته، بلعت ريقي بالعافية، مراتي برقت ووشها جاب الوان الطيف، قبل ما ارد عليه، كمل كلامه اللي هو بيلحقني قبل ما تنزل عليا جلطة..
ـ بص ما توترش روحك، الايام دي موسم.. هتلاقي بدل الشقة 10، ظبط حالك مع اي سمسار لمدة يومين تلاتة بالكتير، اكون رجعت اسكندرية واجي اخدك شقتي.
قفلت معاه المكالمة، عشان ماكنش عندي رد اقوله، اتحطيت قصاد امر واقع لازم اتقبله عشان انا السبب فيه، وقتها كان قصادي حل من اتنين، يااما الف عربيتي وارجع القاهرة، وساعتها هكسر بخاطر ولادي، يااما اشغل دماغي الحق اتصرف وانفذ اللي قاله صاحبي، طبيعي كفة ولادي طبت وبجدارة، الفكرة دلوقتي اجيب شقة بسرعة ازاي!.. كان الحل الوحيد، اعلان صغير في صفحة من صفحات اعلانات مصيف اسكندرية، اطلب في شقة صغيرة او شاليه كام يوم، دورت بالفيس بوك على جروب من جروبات المصايف، لقيت واحد وكان يخص اعلانات الشقق، فكتبت اني عاوز شقة بأسرع وقت وكتبت نمرة تليفوني، دوست نشر واستنيت النتيجة، الفترة دي كلها مراتي ماكنتش بتتكلم او في من ناحيتها اي رد فعل.. الله اعلم بقى كانت قلقانة للفسحة تبوظ، او شمتانة فيا.. بس عذرتها حتى لو كانت شمتانة، عندها حق.. وقتها قولت في بالي”الله يخرب بيت دي عمله عملتها في نفسي”.. عدا اكتر من ربع ساعة انتظار، عيني ماتشلتش من على تليفوني.. لحد ما تليفوني جاله اتصال، مسكت التليفون بسرعة ورديت، كان صوت واحد قال..
ـ معايا المهندس شريف.
ـ ايوه انا شريف.
ـ قريت اعلانك عن شقة في اسكندرية، طلبك موجود عندي، بنفس المواصفات اللي محتاجها واكتر شوية.
بصيت لمراتي وانا ببتسم، رديت عليه بلهفة وطلبت منه العنوان، بعد ما خدته منه.. قفلت معاه وطلعت بالعربية على المكان اللي قالي عليه، حمدت ربنا انها كانت في مكان قريب من “ميامي”.. بعد ما وصلت، فرحت جدا لما قريت العمارة اللي قالي عليها الراجل، كانت قصاد البحر.. ما يفصلش بينها وبينه غير خطوات، فرحوا اولادي لما شافوا شكل البحر واصواتهم عليت، بصيت من الشباك على الراجل اللي كان معايا على التليفون، لقيته.. كان واقف في مدخل العمارة، شاورلي انزل.. سيبت الولاد مكانهم ونزلت روحتله، وقفت معاه.. بعد الترحيب وكلام مالوش دخل بموضوع الشقة، سألته في اي دور وايجارها قد ايه لمدة 4 ايام.. على اساس ان هكمل الإجازة في شقة صاحبي، خرج بره العمارة وخرجت وراه، بص لفوق وشاورلي على بلكونة شقة في الدور التالت، بعدها قالي على المبلغ المطلوب.. وطبعا الاستغلال كان سيد الموقف، إغاثة الملهوف مالهاش دخل بالبزنس، الملهوف محتاج ولازم يدفع اللي يتقال ، عاقبت نفسي ودفعت مبلغ محترم من غير اي نقاش.. مد الراجل ايده في جيبه وخرج ميدالية فيها مفتاح و ادهولي في ايدي، اتمنالي اجازة سعيدة وهو بيبتسم، مشي كام خطوة بعدها وقف، لف وشه ناحيتي، واضح من ملامحه وقتها انه افتكر حاجة جت في باله فرجع قال..
ـ معلش يا بشمهندس، الشقة مقفولة بقالها فترة، عاوزة بس شوية توضيب، عشان ماحدش أجرها من فترة.
هزيت راسي وشكرته للمرة التانية، استأذن ومشي.. شاورت لمراتي تنزل هي والولاد من العربية، طلعت الشنط والحاجة مدخل العمارة، كانت حاجات تقيلة، فقولت الافضل اني اطلع في الأسانسير، روحت ناحيته ودوست الدور اللي في الشقة، بس الاسانسير ماكنش شغال، مرة والتانية والتالتة نفس الحال، فسمعت صوت حد بينده على مسافة قريبة، لفيت وشي ناحية الصوت، كان بواب العمارة، طلع كام سلمة وهو بيتكلم..
ـ بتعمل ايه عندك يا بيه؟
رديت عليه بغيظ، بعد ما كنت خلاص استنفذت كل الصبر اللي عندي..
ـ هكون بعمل ايه يعني!.. بحاول انزل الاسانسير عشان اطلع الشقة.
قرب من الاسانسير، ضيق عينه وبص مكان ماكنت بدوس، رجع بصلي وقال..
ـ الدور التالت حضرتك الأسانسير مابيقفش في.
استغربت من اللي قاله..
ـ ده اللي هو ازاي يعني؟.. القطر بتاع الأسانسير ما بيقفش على محطة الدور التالت؟
الراجل اتضايق من كلامي، رد وقال..
ـ من غير مجلتة يا بيه، قصدي ان الدور ده بين ادوار العمارة، شبه الارض البور، لا فيها زرع ولا بيعدي عليها مايه.
اتنهدت بضيق، قولتله بنفاذ صبر..
ـ نطلع بقى من جو البلد، وفهمني تقصد ايه يا راجل انت.
ـ حلمك عليا يا بيه، اقصد ان شقة الدور التالت ليها صاحب، اما باقي شقق العمارة، والعمارة نفسها ليها مالك واحد، هو المتحكم في كل امورها، حاول كتير يتكلم مع صاحب الشقة عشان يدفع اشتراك الاسانسير، بس هو رفض.. كانت حجته انها قريبة، مش محتاجة اسانسير ولا غيره، ففصلناه عنها ومابيقفش فيها خالص، حتى اي حد بيأجرها بيكون منه لصاحبها، لا انا ولا صاحب العمارة لينا دخل بيه.
سكت البواب لثواني، بعدها كان هيكمل كلامه بس سكت او فكر في اللي كان هيقوله، فاتردد وماكملوش.. بعدها استأذن ورجع اختفى زي ما ظهر، قولت مع نفسي “باينه من اولها، بجملة التعب”.. اديت لمراتي مفتاح الشقة عشان تسبقني وتفتحلي الباب، خدته من ايدي، شالت ابننا الصغير وراحت ناحية السلم، طلعوا وراها ولادي التوأم “يحيى وشهد”.. حملت الشنط وطلعت وراهم، بلمحة سريعة لعين مهندس ديكور، عرفت المجهودات الجبارة اللي بيحاول يداري بيها صاحب العمارة انها قديمة، من نقاشة وتوضيبات.. بس شكل الاسانسير و درابزين السلم الحديد اللي واخد شكله من الافلام الابيض والاسود، كاشفين شكل الحيطان اللي متغطية بالدهانات الجديدة.. ماهتمتش باللي شايفه، ركزت اكتر في السلم اللي مش راضي يخلص، والشنط اللي خلعت دراعي، بعد معاناة وصلت.. ده لما شوفت ولادي ومراتي واقفين قصاد باب الشقة، من ضيقي اتعصبت عليها..
ـ مافتحتيش باب الشقة ليه؟.. نفسي اتقطع من السلم.
ـ المفتاح محطوط قصادك اهو، حاولت اكتر من مرة افتح الباب بس مافيش.
ركنت الشنط على السلم، سألتها..
ـ يعني ايه مافيش؟.. هو ايه اللي مافيش؟!
تهتهت في الكلام..
ـ اقصد الباب ما بيفتحش، زي ما يكون الباب متربس من جوه، او كالون الباب جواه مفتاح من الناحية التانية.
وقتها نفخت بغيظ، بصيتلها وتعبيرات وشي ونظراتي، فهموها ان اللي بتقوله ده كلام ناس مجانين، واضح انها فهمت.. فرجعت لورا خطوات بعيد عن الباب، مسكت المفتاح وشديته، رجعت حطيته تاني في الكالون، فضلت لثواني احاول افتح الباب، مراتي كلامها كان صح.. بس الغريب مش ان كلامها صح، الأغرب.. ان كنت بسمع تكة قفل الباب بيتفتح، بعد ثواني بسمعه تاني بيتقفل!.. ازاي مش فاهم، وقفت للحظات بحاول فتح الباب، ونفس صوت تكة الباب بتتكرر، حمدت ربنا ان مراتي كانت مشغولة مع ابني الصغير، كانت بتحاول تسكته من حالة هيستريا العياط اللي مسكته فجأة.. عدا خمس دقايق ويمكن اكتر ع الحال ده، ساعتها بدأ التشاؤم من الفسحة تنتشر ريحته.. لحد ما الباب اتفتح، مراتي وولادي جم ناحيتي ووقفوا، زقيت الباب عشان ادخل الشنط، عارفين احساس لما تقفوا في مدخل كهف مهجور من زمن، ده بالظبط اللي حسيت بيه.. تيار هوا شديد خرج من جوه الشقه كان متحمل بريحة، لحد دلوقتي مش لاقيلها وصف، كلمة بشعة او وحشة.. كل ده كلام موجود في قاموس اللغة العربية، بنلخص بيه شوية احاسيس بتدل على الأشمئزاز، حرفيا معدتي قلبت، احساس رهيب بالترجيع بس من غير ما ارجع، لفيت وشي ناحية مراتي، اللي ماكنتش واقفة مكانها، هي والولاد طلعوا اكتر من درجة سلم اللي بيودي على الدور الرابع، والسبب كان واضح، الريحة اللي خارجة من الشقة حدفتهم بعيد، كل واحد منهم قافل بكف ايده مناخيره، شاورت لها تقرب عشان تدخل معايا الشنط، نزلت من على السلم بتردد، بس في اللحظة دي ماكنش في مجال للرفض، دخلت خطوتين في مدخل الشقة ونورت لمبة الصالة، لفيت وشي نا حيتها عشان تدخل، بس لمحت عينها متثبتة على حاجة، فسألتها سبب وقفتها، ردت وهي بتشاور على حاجة في ارضية الشقة..
ـ بص كده يا شريف!!
“يتبع”
الجزء الثاني والأخير..
لمحت عينها متثبتة قصادها، فسألتها سبب وقفتها، ردت وهي بتشاور على حاجة في ارضية الشقة..
ـ بص كده يا شريف.
بصيت ماكانت بتشاور وبدأت فسحة الغرائب، ارضية الشقة مليانه تراب، وده عادي بحكم قفلتها من فترة على حسب كلام صاحبها، بس اللي مش عادي، وفي نفس الوقت بيعكس كلامه من النقيض للنقيض، ان التراب عليه أثار خطوات!.. خطوات رجلين حد جوه الشقة، اي حد مكانا وهيشوفها، هيعرف بسهولة ان دي رجلين حد كان موجود في الصالة من لحظات، مش زي ما قال مالك الشقة انها مقفولة من فترة، فضلت مراتي واقفة زي تمثال ابو الهول.. عينها متثبتة على الارض، ومناخيرها بتشم ابشع ريحة، فضلت متابع بعيني خط سير الاثار، لحد ما وصلت عند باب متوارب اخر الشقة، اتمشيت بخطوات محسوبة ناحيته، كل خوفي لايكون في حد جوه الشقة، حرامي بقى ولا بلا ازرق.. وقتها ما ضمنش العواقب عليا وعلى اولادي، وطبعا ده تخمين واحد مجنون، بس ماكنش عندي بديل غيره.. وصلت قصاد الباب اللي بتنتهي عنده الخطوات، بصيت لجوه ضلمة، شبه ضلمة سما اخر الشهر الهجري، مديت ايدي وزقيت الباب، زييق تزييقه خفيفه فهمت منها ان صواميل الباب عفا عليها الزمن، لو احلف ان سمعت من جوه خربشة ماحدش هيصدقني، صوت خربشة كيس او حاجة بلاستيك بتتحرك، من لحظات كُنت عامل فيها سبع الليل، في ثانية اتقلبت قطة مش قط، خرجت موبايلي من جيبي وشغلت الفلاش، اللي قصادي حمام.. اتنفست بعمق لدرجة ان الريحة اللي خارجة منه، عششت في كل ركن من اركان القفص الصدري، وبحركة سريعة مديت ايدي نورت لمبة الحمام، لفيت بعيني.. فهمت ان الصوت اللي سمعته كان جاي من ستارة البانيو، ورجاء يا جماعة ماحدش يسألني مين حركها.. عشان انا وقتها ولدلوقتي اعتبرتها تهيؤات عقلي، بسبب الخوف او القلق.. ايا كانت الاسباب قولت تهيؤات وخلصنا، خاصة انه كان فاضي مافيش لا قط اتسرب من بلكونة مثلا، او حيوان زاحف دخل من شباك منور العمارة.. تصدقوا يومها عشان اطمن مراتي عملت ايه؟
وجه المهندس سؤاله للعمال اللي كانوا في حالة صمت تام، كلهم اتكلموا في نفس واحد..
ـ عملت ايه؟
رجعوا لحالة الصمت، اللي كان بيقطعه صوت المطر اللي عمال يخبط على ازاز الشباك، لحظات انتظار المهندس يكمل، وفعلا جاوب على سؤاله وسؤالهم..
كدبت عليها.. خرجت من الحمام وروحت عندها، وقفت قصادها وانا برسم على وشي ابتسامة..
ـ مافيش حاجة، دي خطوات رجلي لما دخلت الشقة، قبل ما انتي تنزلي من على السلم.
ده طبعا ماحصلش.. بس المضطر يركب الصعب، اما انا ابقي ماركبتش الصعب، انا اتقمصت دور ممثل شاطر في اداء دوره وبإتقان، لدرجة انها اتنهدت وضحكت.. الله اعلم وقتها صدقت كلامي، ولا حبت تقنع نفسها ان اللي بقول صح عشان الفسحة تكمل، المهم في الاخر النتيجة دخلت الشقة، من بعدها جم الولاد ودخلوا هم كمان، سيبتهم بيتفرجوا عليها، خرجت اجيب الشنطة اللي سيبتها مركونة على السلم، بدأت ادخلهم.. شنطة في التانية وعند التالتة اتخشبت مكاني، ده بعد ما سمعت صوت مراتي بتنده عليا وهي بتزعق، حدفت الشنطة في مدخل الصالة وجريت ناحيتها، كانت جوه الله يحرقه حمام الشقة، بتبص على قاعدة الحمام وعلى ملامحها الخوف، قربت منها وبصيت، اعاذكم الله كان في حد عامل حمام، ودي حاجة برضه غريبة، بتأكد شكوكي ان في حد هنا، او على الاقل كان في حد.. كلمت نفسي “اومال ايه اللي الشقة مقفولة، ومتهببة على دماغه، منك لله يا سيد”..
قطع سرحاني صوت مراتي..
ـ مش المفروض ان دي شقة مقفولة، اومال ايه ده؟
مستحيل طبعا اجاوبها زي المرة اللي فاتت واقولها انا، كده الممثل الشاطر هيتقلب كومبارس صامت وكداب كمان.. بس خدتها ع الحامي، ضحكت ضحكة متقطعة بتاعت واحد اهبل، مديت ايدي على السيفون وانا بقولها..
ـ يا شيخة انا قولت في مصيبة ولا حاجة، سايبة التراب والقرف ده كله، وجايه هنا تسألي في حاجات تقلب المعدة، اخرجي بس شوفي هتنضفي الشقة دي ازاي.
هزت راسها بالموافقة على كلامي، بدون اي كلام او رد فعل، خرجت وراها وشيلت ابني الصغير اللي مابطلش صراخ وعياط، خرجت بيه في البلكونة عشان يهدى، كانت بدأت مراتي في التنضيف وترتيب عفش الشقة، في خلال ساعة قدرت تنجز وتخلص.. كان واضح عليها التعب والاجهاد، فعتذرتلها اني السبب وكلها ايام ونروح شقة صاحبي، بس ردت وقالت..
ـ مافيش داعي نشيل ونحط تاني في الشنط، دفعنا ايجار الشقة وانا وضبتها، مش مستاهلة بقى نروح مكان تاني.
وافقت على كلامها وقفلنا الكلام في حوار الشقة التانية، بعدها طلبت منها تدخل ترتاح شوية، بس ده كان ضد رغبة ولادي، اللي فضلوا يتنططوا انهم عاوزين يروحوا البحر، الساعة كانت قربت على اذان العصر، برغم تعب مراتي وافقت، وده بعد عياط ابني الصغير زاد، فقالت..
ـ نوديهم شوية ولما ارجع ابقى ارتاح، حتى عشان “ايمن” يسكت، من ساعة ما وصلنا مابطلش عياط، وانت شايف الشقة ما فيهاش حتى مروحة، واضح كده انه حران وزهقان.
وافقتها.. طلبت منها انها تجهز الولاد عشان نخرج، بسرعة جهزتهم وخرجنا روحنا البحر، عدا وقت كان جميل جدا لحد ما الشمس غابت.. الولاد من التعب طلبوا انهم يرجعوا الشقة، خدناهم انا ومراتي ورجعنا بيهم، وصلنا قصادها وفتحت الباب.. عشان اتقابل بحاجة جديدة، اول ما فتحت نور الصالة، شهقت مراتي بصوت عالي، بصيت في الصالة وبعدها سألت..
ـ انتي ماقفلتيش البلكونة ولا الشبابيك؟
ردت عليا وهي مبرقة عينها..
ـ والله قفلاهم بأيدي قبل ما نخرج.
ماردتش عليها ورجعت لفيت وشي ناحية الصالة، اللي كانت شبه مقلوبة، المفارش كلها على الارض، المخدات الصغيرة محدوفة في كل اركان الصالة، حاجات كتير متنتورة في كل حتة، كالعادة لازم انقاذ الموقف، الحق ادور على اي مبرر، اتكلمت وقولت..
ـ اكيد هوا البحر فتح البلكونة والشبابيك، موجة البحر بتعمل تيار هوا شديد، واكيد ده اللي قلب الشقة بالشكل ده.
خلصت كلامي معاها، ماعلقتش.. اكتفت بنظرات عدم اقتناع وعوجت بوقها على جنب، لفيت وشي الناحية التانية واتكلمت في سري “يخرب بيت الكدب، الحكاية دي مالهاش اخر”.. اللي عرفته بعد كده إنها كانت لسه بتبتدي، ساعتها بصيت على مراتي اللي كانت مشغولة في جمع اشلاء الشقة، روحت عند الولاد اللي كانوا بيلعبوا، بعكس اللي كان واخد العياط مقاولة من وقت ما دخلنا العمارة، اصغر ولادي.. لما شيلته عشان اسكته، لاحظت إنه بيبص في اتجاه واحد، عينه رايحة ناحية امه اللي كانت داخلة الحمام، رفع ايده وهو بيصرخ وشاور عليها، ماكنش قصادي غير اني انده عليها تيجي تاخده، فعلا لما ندهت عليها سابت اللي كانت بتعمله وجت، وقفت قصادنا عشان تشيل الولد، بس هو كانت لسه نظرات عينه رايحة ناحية الحمام، كلمته وانا بديه لأمه..
ـ بتبص على ايه؟.. ما امك اهي جت عشان تاخدك.
كان مستمر في عياطه ومشاورته ناحية الحمام، مراتي مااهتمتش باللي بيحصل مع الولد، عشان كان تفكيرها إن اكيد سبب عياطه من الحر والرطوبة العالية، للسبب ده قالت..
ـ انا هروح الحمام احميه هو واخواته، عشان اغسل هدومهم من ماية البحر.
شاورتلها تقعد ترتاح شوية وتحاول تهديه، اكون انا خدت دش بسرعة عشان ادخل انام، وفعلا وافقت.. قعدت جنب الولاد مع محاولات انها تسكت ايمن، سيبتهم وروحت الحمام اخد دش، بعد ما قفلت الباب ودخلت البانيو، فتحت ماية الدش عشان اظبطها، بس انا اللي اتظبط.. بمجرد ما نزلت تحته، الماية اللي كانت من ثانية باردة عادية، اتقلبت لماية نازلة من على البوتاجاز حالا، كانت بتغلي.. من شدة سخونتها الحمام نفسه حرارته عليت، المايه عملت شبورة وغيمة خلتني مش شايف حاجة، حاولت اقفل حنفية الماية، بس كانت بتلف معايا ع الفاضي، وقتها سمعت صوت تزييقة باب الحمام بيتفتح، اول تخمين طبعا ان اللي دخل مراتي، بس ماكنتش شايف غير خيال حد بيتحرك ناحيتي، بسبب شبورة الماية السخنة، مش متحقق من صورتها، اتكلمت وقولت..
ـ اقفلي بسرعة محبس الماية انا هتخنق.
بس ماحدش رد عليا، لفيت وشي الناحية التانية وحسست بأيدي على مكان المحبس، في اللحظة دي حسيت ان في ايد بتلمس كتفي، والحمام اتقلب لفرن.. من احساسي بالخنقة اتعصبت..
ـ افتحي بسرعة شباك الحمام.
صمت تام، عدت ثواني الماية اتظبطت حرارتها، خدت دش بسرعة، روحت ناحية الباب اللي كان مقفول زي ما قفلته.. مع اني سمعته بيتفتح، خرجت عندي مراتي وانا متعصب بسبب اللي عملته، بس لقيتها قاعدة في البلكونة وشايلة الولد، قربت منها وسألتها..
ـ انتي مش كنتي قاعدة مع الولاد؟.. اومال امتى قومتي من جنبهم؟
استغربت لسؤالي، بس ردت..
ـ بعد ما دخلت تاخد دش، الولد ماكنش راضي يسكت، فسيبت الولاد بيلعبوا ودخلت البلكونة، قولت يمكن يهدى ويبطل عياط، من وقتها وانا قاعدة مكاني.
لحظة ما خلصت كلامها، لفيت وشي ناحية الحمام، عدا قصدي اللحظات اللي عيشتها وحسيتها جواه، كل اللي كان بيدور في دماغي سؤال “مين اللي كان معايا جوه الحمام؟”.. بس للأسف سؤال بدون أي إجابات، قطع سرحاني صوت مراتي اللي لاحظت عليا ملامحي اللي اتغيرت..
ـ انت كويس يا شريف؟
هزيت راسي ورديت عليه بصوت مهزوز..
ـ ايوه انا تمام وزي الفل.
بس ساعتها لا كُنت تمام، ولا كُنت زي الفل.. كان بدأ القلق يتسرسب جوايا، زاد لما مراتي قالت..
ـ انا داخله الحمام اشطف الولاد من المايه المالحة.
قاطعت كلام المهندس وسألته..
ـ ما حكيتش لمراتك اللي حصل معاك، او حتى مافكرتش تسألها اذا كانت دخلت الحمام وقت ما كنت بتاخد دش؟
مد ايده ناحية نار الوابور عشان يدفيها، فركهم ببعض ورد عليا وهو بيبتسم..
ـ فعلا شر البلية ما يضحك، سكت طبعا خوفت اقولها حاجة من اللي حصلت، وفي كل الاحوال.. اللي كان لازم احكيه وسكت عنه، هي شافته بعينها.. بعد ما غيرت للولاد وخرجتهم بره الحمام، دخلوا على السراير يناموا.. اما انا فضلت احرق في سجاير وعيني ناحيته مستنيها تخرج، بس ما خرجتش.. عدت دقايق وسمعت صرخة عاليه خلتني اتنفضت في مكاني، كان صوت مراتي.. قومت بسرعة عشان اروح افهم في ايه، قبل ما ادخل.. باب الحمام اتفتح وطلعت منه بتجري لبره في الصالة، شعرها منعكش، على وشها خوف ماشوفتوش قبل كده، عيونها حمرا زايغة بتلف في كل ركن من اركان الصالة، قربت منها وحاولت اهديها عشان تفهمني، اتكلمت وهي بتهته وجسمها بيتنفض..
ـ بعد ما خرجت الولاد، جهزت الماية اللي هغسل فيها الهدوم، ولسه هبدأ سمعت صوت نفس معايا، حد كان بيتنفس بصوت عالي قريب من ودني، بصيت حواليا بس ماكنش في حاجة، في سري همست بالبسملة عشان اشيل مني الخوف، للحظة ما سميت لمبة الحمام فرقعت، نزلت على الارض حتت صغيرة، من الخضة صرخت وخرجت اجري من الحمام.
طبعا انا ماسكتش، فتحت شوال الحجج اللي مالهاش دخل بالمنطق، بس الكدب الابيض اوقات بينفع في يوم زي ده، لفيت ايدي على كتفها وقولت..
ـ ما تاخديش في بالك، ده اكيد صوت موج البحر لسه مأثر على ودانك، ما احنا برضه بقالنا فترة ماطلعناش مصيف، دلوقتي هاخد لمبة من اي اوضة واركبها في الحمام، لحد بس الصبح انزل اشتري واحدة جديدة، سيبي كل حاجة وادخلي نامي جنب الولد، قبل ما يصحى.
قبل ما ترد بالموافقة من عدمها، سمعنا صوت الولد على صرخة واحدة، جريت مراتي بسرعة على الأوضة وشالته، كنا محتارين في حاله اللي اتغير بدون سبب مقنع، وقتها قالت مراتي..
ـ مدام ايمن فاق واشتغل وصلة عياطه، روح ركبلي لمبة في الحمام وخده انزل بيه شوية، عشان يهدى وينام، اكون انا خلصت اللي هعمله.
بصيت في ساعتي اللي كانت عدت نص الليل، رفعت حاجبي في تردد، اوافق على كلامها او ارفضه، بس لما بصيت لحالة ابني اللي بيتشنج من شدة عياطه، هزيت راسي بالموافقة على طلبها، بررت لنفسي ان دلوقتي صيف والناس كلها صاحيه، فعلا روحت ركبت لمبة في الحمام، بعد ما خلصت خدت منها الولد، خدت المفاتيح وخرجت بره الشقة، والحال براها اسوء من جواها بمراحل، الدور الملعون كان ضلمة كحل، واضح من كلام البواب عن بخل صاحب الشقة، ماكفهوش حقه.. اتكلمت مع نفسي وانا واقف متخشب ” يا بخل اهلك، ده انت راجل معفن، ماهنش عليك تركب لمبة قصاد شقتك”.. زن ابني مع التوتر اللي كُنت في، حسيت ان الرطوبة هتخنقني، مديت ايدي في جيبي خرجت الموبايل، اي حاجة تنور اشوف بيها خطوة رجلي، نورت فلاش التليفون ونزلت اول درجة في السلم، الولد بدأ يهدى.. مع هدوئة سمعت صوت احتكاك جاي من تحت، نزلت درجة تانية وتالتة، معاهم عرفت ان صوت الاحتكاك ده جاي من الاسانسير، دي حاجة عادية.. اي حد من السكان راجع شقته، بس اللي مش عادي وبسببه وقفت على اكبر درجات السلم، الاسانسير وقف في الدور اللي في شقتي، ساعتها مخي رجع ساعات لورا وقت وقوفي مع البواب، سألت نفسي “ازاي وقف هنا؟.. اومال ايه الكلام اللي قاله البواب؟”.. ياريت الحال وقف لحد هنا، ده بعد ما وقف، الباب الحديد اللي عليه اتفتح، ثانية في التانية في التالتة، وانا واقف مكاني مستني المشهد الجديد، اللي كان في قفل باب الاسانسير ونزوله مرة تانية للدور الاول، فضلت واقف متابع نزوله، بصيت جواه.. اللمبة الصغيرة اللي جواه كانت بتتهز، بتترعش بدون ما تفصل، اللحظات البطيئة وانا بتابعه مرت كأنها ساعة، ده كفاية عشان اشوف ان جواه فراغ، مافيش حد نزل، واكيد مافيش حد طلع الدور عندي، في اللحظة دي سمعت صوت مراتي بتصرخ، من بعدها صوت فرقعة عالية وقوية.. بدون تفكير سندت ضهر ابني وطلعت الدرجات اللي نزلتها، خرجت المفاتيح اللي وقعت مني على الارض، ميلت جبتها وفتحت الباب بأيد بتترعش، عشان الاقي الشقة بنفس ضلمة السلم، الاضاءة الوحيدة اللي شوفت بيها كانت في الحمام.. مراتي كانت واقفة قصاده وسانده ضهرها ع الحيط، بتبص جوه الحمام لدرجة انها ماحستش بدخولي، قربت منها عشان افهم مالها، صوت الولد خلاها اتنفضت وبصت ناحيتنا، قبل ما اسألها مالك، اتكلمت وكانت خايفة..
ـ الحمد لله انك رجعت بسرعة.
كُنت هرد اقولها اني ماخرجتش بره العمارة اصلا، بس كملت كلامها..
ـ دخلت الحمام بعد ما خرجت بثواني، فتحت حنفية الحوض عشان املا جردل مايه، فنزلت مايه سخنة جدا، فقفلتها بسرعة.. بس اتفتحت لوحدها، حاولت اقفلها ماعرفتش، وقتها عيني لمحت صورتي في المراية، بس ماكنتش انا، بخار الماية اللي عليها كان بيرسم خطوط ونقوش غريبة، خوفت ورجعت لورا عشان اخرج، وقتها حسيت اني اتخبطت في حد واقف ورايا، لفيت بسرعة ماكنش في حاجة، بس سمعت نفس صوت الهمس، فصرخت.. كهربة البيت اترعشت ومن بعدها بدأت تتكسر واحدة وراها التانية، احنا لازم نمشي من الشقة دي.
طبطبت على كتفها وحاولت اهديها، خدتها و قعدنا على اقرب كنبة، اتكلمت وقولتلها..
ـ هنزل بسرعة اجيب لمبات للشقة، عشان نعرف بكرة نلم حاجتنا.
بس رفضت نهائي اني اتحرك من جنبها، وفعلا.. اليوم ده نمنا كلنا في اوضة واحدة، او تقريبا هم اللي ناموا، اما انا بسبب القلق ماقدرتش انام، فضلت منور جنبي كشاف التليفون، وعيني متثبتة على صالة البيت، ما اعرفش بسبب الخوف وضلمة المكان، كنت شايف خيال بيتحرك وبيجري بسرعة، واضح انعكاسه بسبب نور الحمام، ولا ده فعلا حقيقي ومش تهيؤات.. حاولت اغمض عيني، بس اللي حصل مع صوت موج البحر، عاملين ميكس صوتي ينفع لفيلم رعب، لحد ما لمحت مراتي بتاخد نفسها بالعافيه، مرة واحدة قامت نص قومة مفزوعة، من بعدها صحي ابني الصغير بيصرخ، ما نطقتش غير بجملة واحدة وهي بتبص برا الاوضة “انا شوفت كابوس مرعب”.. ماحاولتش اعرفه، وهي ماحكيتش ايه اللي شافته، بعد دقايق من قعدة الصمت اللي كنا فيها الفجر أذن.. وقتها رجعت مراتي نيمت الولد ونامت، وانا كمان قدرت انام.
تاني يوم الصبح، كلمت صاحبي عشان اسأله ميعاد رجوعه، فأكدلي انه بكرة هيكون عندي، وعلى الاساس ده اتكلمت مع مراتي، اننا نصبر بس يوم كمان، بدل البهدلة بين الشقق، وافقت.. سيبتها مع الولاد بعد ما فتحت بلكونة الشقة، نزلت اشتريت لمبات جديدة وفطار، بعد ما رجعت كان الولاد صحيوا، اتبسط ان الامور كانت هادية، حتى ولادي كانوا ماسكين الكورة وبيلعبوا، الكورة اتحدفت جوه اوضة النوم، قامت بنتي عشان تجيبها، غابت لدقايق.. ساعتها انشغلت بصحيان ابني الصغير اللي جه يجري عليا، لمحت ابني “يحيى” قام من مكانه ورايح ناحية الحمام، وقف قصاده ثواني، بعدها دخل.. بعد دخوله، باب الحمام اترزع.. سمعت صوت ابني بيصرخ من جوه، قومت بسرعة وروحت عند الحمام، حاولت افتح الباب بس كأن في حد قافله من جوه، جت مراتي وبنتي على صوت صراخ يحيى، عافرت اضغط على الباب بكل قوتي لحد ما اتفتح، خرج ابني يجري من جوه، وقف يتنفض وهو بيبص على اخته شهيرة، نزلت على ركبتي وحضنته، جابت امه كوباية مايه فخدها من ايدها وشرب، اتكلم بصعوبة وكان بيتهته، قبل ما ينطق شاور على اخته..
ـ هي اللي ندهت عليا.
استغربت انا وامه وبصينا على اخته، برغم ان كلامه واضح يقصد مين، بس السؤال خرج على لساني تلقائي..
ـ هي مين؟
رد وقال..
ـ شهيرة، بعد ما صحي ايمن واتشغلت معاه، سمعت صوت جاي من ناحية الحمام، كان في حد بينده عليا، بصيت.. كانت شهيره ماسكة الكورة، شاورتلي وندهت عليا عشان اروحلها، قومت وروحت عندها.. وقفت قصادها وشاورتلي ادخل الحمام عشان نلعب، دخلت.. بس اول ما دخلت لمبة الحمام طفت، والباب اتقفل.
الكلام كان غريب ماعرفتش ارد عليه، السبب واضح.. شهيرة كانت في الاوضة مع امها، خرجت معاها لما سمعوا صراخه، من غير تردد بصيت لمراتي وقولتلها..
ـ ادخلي جهزي الشنط، هنزل اجهز العربية وارجعلكم عشان نمشي.
هي ما صدقت.. خدت الولاد ودخلت الاوضة تجهز الشنط، خرجت من الشقة ومنها للدور الاول، جه في بالي وقتها البواب، كان قاعد بره العمارة.. صبحت عليه وعزمت عليه بسيجارة، بعدها سألته..
ـ اسم الكريم ايه؟
رد عليا وهو بيشكرني على السيجارة..
ـ محسوبك عبد الكريم يا بيه.
ـ بقولك ايه يا عم عبد الكريم، الشقة اللي في الدور التالت، اللي أجرتها.. ماحدش سكن فيها قبل كده؟
سكت ثواني وبعدها قال..
ـ الكدب خيبة يا بيه، انا مسكت غفير من خمس سنين، بس اللي اعرفه عنها وسمعته من الغفير اللي قبلي، انا نادر لما حد بيأجرها، واللي بيدخلها ما بيكملش فيها غير سواد الليل، وتاني يوم بيلم حاجته ويسيبها، كلام في سرك.. اوعى تحكيه قصاد حد لسوق شقق العمارة يقف، السكان الدايمين، وكمان اللي بيتأجروا وقت المصيف، كانوا بيخافوا من الشقة دي والدور اللي فيها، لو صدف وحد بص من الشباك اللي في المنور، ووقعت عينه على شباك الحمام، كانوا بيشوفوا حد جوه، واحيانا خيال حد بيتحرك، ده غير الريحة اللي طالعه منه.. اعوذ بالله، جيفة كلب ميت.
سألته تاني عشان افهم منه اكتر..
ـ ايوه يعني السبب ايه؟.. حد اتقتل فيها مثلا وده عفريته؟
رد وهو بيخرج تليفونه من جيبه..
ـ اسمع يا بيه، انت باين عليك راجل محترم ووشك سمح، انا هجبلك الناهية في الموضوع ده، شكل الراجل البخيل صاحب الشقة، خزوقك في ايجار كبير.
كمل كلامه وهو بيتكلم في التليفون..
ـ ايوه يا حج “رجب”، حضرتك موجود في شقتك؟
سكت لثواني وبعدها قال..
ـ طيب عاوزك خمس دقايق في مدخل العمارة.
قفل المكالمة وسكت، بحركة ايده شاورلي استنى لحظات، بعد كام دقيقة باب الاساسنسير اتفتح، خرج منه راجل كبير في السن، وعلى ملامحه الوقار، قرب مننا وسلم، اتكلم عبد الكريم وعرفه عليا ودخل على طول في حوار الشقة، واللي فهمته من كلامه، ان الحج رجب ساكن قديم وبيصلي بالناس في الزاوية اللي جنب العمارة، بصلي الحج رجب وقال..
ـ الموضوع مش قصة عفريت ولا شبح قتيل، انا دخلت الشقة دي، ريحها مش حلو.. بسبب هجرانها لسنين، استوطنها مخلوقات مش من عالمنا.
قاطعت كلامه..
ـ تقصد الجن.
ـ ممكن ليه لا، الجن مخلوقات ربنا.. خرجوا من الحمام اللي بابه اتساب مفتوح، احتلوا الشقة بنظام وضع اليد، وللسبب ده مافيش ساكن بيعمر فيها، ما هو اي حد بيدخلها، بالنسبالهم دول محتلين جايين ياخدوا بيتهم وسكنهم، ودي حاجة مش هيقبلوا بيها ابدا، واضح كده انك جربت يا بشمهندس.
وقبل ما ارد عليه، سمعنا صرخة عالية جاية من فوق، جريت بسرعة لدرجة اني وقعت على درجات السلم، وصلت الدور اللي في الشقة، كانت مراتي واولادي واقفين بره الشقة وبابها مقفول، ماسألتش ايه اللي حصل، او مابقتش اتفاجئ.. وقتها كان وصل البواب والحج رجب عندي، جنبت اولادي وفتحت الباب، الشقة ضرب فيها زلزال مدمر، كل حاجة مش في مكانها، الكراسي واقعة والكنب متحرك لمكان تاني، فضل الحج رجب يستعيذ بالله، وعلى اثر استعاذته باب الحمام بقي يقفل ويفتح، شاورلي الم حاجتي واخرج بسرعة، وفعلا عملت كده.. بعد ما خلصت، خرجنا من الشقة وقفلنا بابها، تعب اليومين اللي قعدناهم في الشقة، بمجهود وشقا سنة، وده خلاني ماطلبش فلوسي من صاحب الشقة، ولغيت المصيف خالص.. مراتي نفسها وافقت على رأيي، ركبت العربية مع اولادي، ولفيت في اتجاه القاهرة.. ومن الوقت ده ختمت على تأشيرة اسكندرية بختم أحمر، مافكرتش لا انا ولا مراتي نروحها تاني.
بعد ما خلص المهندس كلامه، عذرته فعلا.. ماكنش عندي ولا عند غيري رد نقوله، هو كمان بص في ساعته واستأذن عشان يمشي، بعد ما مشي سهرتنا قصاد الشغل اتقفلت، او احنا نفسنا اتقفلنا، العمال كان بيضحكوا ويرغوا في حكاية المهندس، بيظهروا شجاعة مزيفة، والحقيقة انهم كانوا مرعبين، والدليل قصادي واضح.. اتلموا كلهم وناموا في اوضة واحدة، بحجة انهم هيكملوا سهرتهم مع بعض، واللي يضحك بقى، لما جه ناحيتي “سمعة” وقال بصوت واطي..
ـ بقولك ايه يا حسن، انا رايح الحمام، ما تيجي تطمن على الشبابيك مقفولة ولا لا.
من حظه السئ، مع هدوء المكان.. العمال سمعوا كلامه، الضحك اشتغل عليه، وقضينا باقي سهرتنا بين الخوف من صوت الهوا اللي بيخبط في الشباك، وبين التسلية على خوف سمعه من دخوله الحمام.